الدنمرك بالأمس واليوم وهولندا غداً

الكاتب/ د.محمد علي ضناوي   
12/03/2008
فهرست الصفحات
الدنمرك بالأمس واليوم وهولندا غداً
الصفحة 2
مرة أخرى، تثبت صحف الدانمرك وبعض البلدان الأخرى أنهم لا يعرفون من حرية التعبير الإعلامية إلا مهاجمة الأديان وعلى الأخص الإسلام والنبي محمدsallalaho alayhi wa salam وذلك بإعادة نشر الصور المسيئة للنبي sallalaho alayhi wa salam التي سبق أن نشرتها صحيفة يولاندس بوستن بتاريخ 20 / 9 / 2005 وتوترت على أثرها العلاقات الإسلامية الدنمركية بشكل خطير وسقط شهداء قتلى وجرحى بالمئات أثناء التظاهرات الصاخبة على مدى الامتداد الإسلامي في العالم فضلا عن المقاطعة الاقتصادية للدنمرك.
استفزاز مشاعر المسلمين في العالم
1 ـ لا يمكن أن يُفسر إعادة هذا النشر إلا تعمد استفزاز مشاعر المسلمين في العالم لا المسلمين الدنمركيين فحسب وهو يكشف مدى الهبوط "الحضاري" الذي آلى إليه الغرب بوجه عام كما يُحَمِّل حكومة الدنمرك المسؤولية المطلقة عن فعل صحافتها الشائن إذ على الحكومة أن تفرق بين الحرية الإعلامية وبين تعمد الإساءة وهو ما يفرض عليها القيام بواجباتها تجاه الدول والمحافظة على مشاعر أهل الأسواق الاقتصادية المفتوحة لها، كما عليها التزام جانب النظام العام لبلادها ومنع الإساءة إلى الآخرين. فكيف إذا كان هذا الآخر رمز الإسلام وقدوته النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي يؤمن به ويحترمه أكثر من مليار ونصف المليار ولا يقبلون أن يساء إليه تحت أية صورة أو مبرر بل ويفدونه بمهجهم وأرواحهم.

لا قيمة لاعذار حكومة الدنمرك
ولا يمكن لأعذار تعلن عنها حكومة الدنمرك تفسر بها عدم قيامها بمهامها السيادية والأساسية بحجة حرصها على احترام الدستور في جوانب أخرى منه. وهي جوانب توفر الحرية لصحافتها في الإعلام والتعبير. ذلك أن القواعد التي تتبعها كل الدول تقضي بان يكون حق الحرية مرتبط بشكل كامل بحقوق الآخرين سواء كانوا مواطنين فيها أو في بلاد أخرى وإلا لأصبحنا في شريعة الغاب، لا في شرائع الحريات المسؤولة واحترام المواثيق الأممية.

الدول تعاقب من يسيء الى رؤساء في العالم والهولوكست النازي!!
2 ـ من المستغرب والمستهجن أن الدنمرك وسواها من الدول الغربية وأكثر دول العالم تعاقب من يسيء إلى احد الحكام والرؤساء وتعاقب أيضاً من ينكر الهولوكست النازية ضد اليهود أو من يهاجم السامية وأسطعُ دليل على هذا محاكمة الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في فرنسا والحكم عليه بغرامات ثقيلة لانتقاده ضمن بحث تاريخي موقفَ التضخيم الفاحش لمحرقة النازية بينما نجد تلك الحكومات ملتزمة الصمت إزاء الإساءة إلى الإسلام ونبيه مع أنّ هذا الأمر يهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية وقد يعرضها إلى اضطراب الأمن والنظام في بلادها ويكشف مدى ممارستها الانتقائية المتحيزة و"غير الحضارية" الأمر الذي يشكل جريمة التقصير وموقف التحيز ومنهج التلطي وراء رقعة الحرية المنتهكة بالرسوم الكاريكاتورية القذرة.
ولا يمكن أن تبرر حكومة الدنمرك ولا غيرها بأن القضاء وحده من يعاقب ويفصل في مدى خرق الدستور لجهة تجاوز حرية التعبير فالقضاء لا يتحرك بنفسه بل النيابة العامة أو من يمثل الحق العام هو الذي يضع قضية الرسوم بين يديه بالادعاء على الفاعل والمحرض والناشر.

لجنة ازهرية ـ فاتيكانية تستنكر
3 ـ في ظل هذه الظروف الغامضة نجد أن بصيص أمل يظهر في ظلمة النفق الدنمركي والاوروبي عامة وقد جاء هذا الوميض من لجنة فاتيكانية في القاهرة فقد نددت لجنة الحوار المشتركة بين الأزهر والفاتيكان المجتمعة في القاهرة في 27/2/2008 بإعادة نشر الرسوم المسيئة إلى النبي محمد sallalaho alayhi wa salam والإساءة إلى الأديان بشكل عام. ونفهم من ذلك ان اللجنة تحذر من استغلال عاطفة المسلمين تجاه نبيهم من قِبَل حفنة من الرعاع المأجورين المرتبطين بالمخابرات الحتلية أو الدولية للتهويش الأمني وتسعيره.
ومن جهة أخرى فقد أحسن العلامة د. يوسف القرضاوي بالدعوة إلى إتباع النهج الحضاري في محاورة الدنمرك وسائر الدول بهدف إفهامهم مغبة هذا العمل المشين والفاضح ومدى إضراره بعلاقات الدول والأفراد والأديان في حين انه لا يترتب على تلك الرسوم إلا انفعالاً وتصادماً وقطعاً لحوار الأديان والثقافات المفترض فيه أن يكون هادفاً ومتزناً.

أين التشريع الدولي ضد الاساءة الى الرموز الدينية؟
4 ـ كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد طالب بتبني ما أعلنته منظمة المؤتمر الإسلامي بمناسبة الرسوم الكاريكاتورية المنشورة لأول مرة في الدنمرك والتي أثارت عواصف عنيفة في العالم أن تصدر الأمم المتحدة تشريعاً دولياً ملزماً يمنع الإساءة إلى الأديان ورموزها وأن ينص على عقوبات مهمة توفيراً للأمن والسلم الدوليين. غير أن هذا الرأي، على ما يبدو، أُودع الأدراج ونام في كومبيوترات الأمين العام السابق ولم نرَ للأمين العام الحالي أي تحرك أو موقف إزاء إعادة نشر الرسوم المسيئة!.
لا بد لنا أن نؤكد على مضمون الرؤية المنطقية لكوفي انان وان تعاود منظمة المؤتمر الإسلامي وحكوماتها التحرك، كما الجامعة العربية وسائر المنظمات الرسمية والشعبية، باتجاه الأمم المتحدة لاستصدار التشريع الدولي، كما باتجاه محاورة الدنمرك والضغط عليها لكي لا تتحول هذه الإساءة، إذا ما استمرت وعادت بأشكال أخرى، إلى بؤرة للصراع وتفجر الحقد والكراهية فضلا عن الإضرار الممكنة في اقتصادها ونسيجها الداخلي. ولا يكون ذلك إلا بمنع أية إساءة إلى الأديان ورموزها في بلادها حيث أنها، كما كانت من قبل ولا تزال، تقف متفرجة مكتوفة الأيدي بينما يُكْبِر الحجر، الذي ألقته صحافة الدنمرك مرة أخرى، ردات الفعل سواء في داخل الدنمرك أو خارجها.