رثاء الشيخ خليل الشامي

02/06/2011
حرص رحمه الله أن يكون مفتاح خير للمسلمين في اوستراليا. وكان قد أبلى وجاهد زهاء أكثر من ستة عقود قضاها في العمل الدؤوب وابتلي فيها بالامرّين وصبر وصابر وكان نعمَ الرائد لأهله ، صدوقاً للجالية فتخير لهم ووظف حكمته بالسعي المتواصل في محاولات لم تتوقف لإنقاذ المسلمين هناك من ترديات الزمن وسوء المجتمع ومخاطر الحضارة الغربية. وكان يرى رحمه الله ما لا يراه الآخرون، ومَنْ كان هذا شأنه لا بد أن يدفع الثمن، ولنا في رُسُلِ الله وأصحابهم رضوان الله عليهم خير مثل في ذلك عمّا يعاني منه المصلح في الزمن الرديء .

 

وكان رحمه الله يخلص في توجيهاته وخططه ويدأب على تطوير العمل ومساعدة كل ذي حاجة معنوية أو مادية، من أبناء الجالية والوافدين، واعتبرته الشرطة الاوسترالية همزة وصل مع أبناء الجالية وبخاصة المهاجرين الجدد.

كان خليل الشامي رحمه الله من أوائل الذين هاجروا إلى اوستراليا /سدني من بلده طرابلس/لبنان هاجر وهو متأثر بأفكار (حزب البعث) ويحمل نقضاً له تأثرَ به من خلال حلقات أجراها معه الأخ الأستاذ فتحي يكن رحمه الله ضمن جماعة (عباد الرحمن) وبعض إخوانه. فقد كان الشيخ خليل رحمه الله في طرابلس قبل سفره صاحب مكتبة لبيع الكتب وبخاصة الفكرية منها الشيوعية والاشتراكية ومنشورات حزب البعث العربي الاشتراكي... ولم يكن يملك فهماً كاملاً للإسلام ولا عملا به بشكل منتظم، إلا أنّ هجرته إلى اوستراليا بدلت لديه المفاهيم فإذا به يصحو على نفسه ويرى أن العقيدة الصحيحة هي الإسلام فحسب فراح يقرأ القرآن ويحصل على كتب إسلامية، فشرح الله صدره للهدى والرشاد وما هي إلا سنوات، قلائل حتى أصبح بالنسبة للجالية المسلمة اللبنانية والعربية (شيخاً) مميزاً يؤم الناس في الصلاة في بيت أو قاعة ثم راح يعمل لتأسيس الجمعية الإسلامية في سدني وتعاون مع إخوة مخلصين انشأوا مسجد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في لاكمبا (منطقة من سدني حيث سكن المهاجرون وبخاصة اللبنانيين منهم) ثم أصبح مأذوناً شرعياً لعقد زيجات المسلمين بعد أن ناضل طويلاً من أجل اعتراف الحكومة في سدني بعقد الزواج الإسلامي على أن يُنظَم بعد عقد الزواج وفق القانون الاوسترالي أو يسبقه، وناضل أيضاً مع فريق كبير من المسلمين فتمكنوا من اعتراف الحكومة بحق المسلمين في مقبرة خاصة وان كانت جزءاً من المقبرة العامة. ثم أسس جمعية الدعوة الإسلامية في سدني وقام مشكوراً باسم الجمعية وبالتعاون مع وزارة الأوقاف الكويتية، بدعوتي إلى اوستراليا فسافرتُ عام 1981 متفقداً الجالية هناك واطلعت على حاجاتهم ومشاكلهم واجتمعت إلى مجموعة وزراء ونواب حدثتهم عن الإسلام كدين ورسالة، وتطرقت مع وزير العدل في سدني بحضور الشيخ خليل رحمه الله الذي تولى الترجمة وتوضيح مسالة الدفن الإسلامي بشكل دقيق إلى تنازع القانون الدولي الخاص مع القوانين الاوسترالية ووجوب الاعتراف بقانون عقد الزواج حيث أجري في بلاد المهاجرين وهو الشريعة الإسلامية كما أقنعته بتشكيل لجنة خبراء توضح أن (الدفن الإسلامي) لا يضر بالبيئة وبالتالي يجب أن يصدر الوزير قراراً بالإجازة للمسلمين بدفن موتاهم على الطريقة الإسلامية وكذلك كان.كان رحمه الله يجهد في التأثير على أبناء الجيل الثاني أي أولاد المهاجرين الذين يتعلمون في المدارس الاوسترالية فأنشأ مع مجموعات من (القادرين) مدارس السبت والأحد لتعليم الطلاب العربية، كلغة والإسلام كدين. وقد قمت بجولة معه على تلك المدارس وتأثرت بواقع الجيل الثاني وأثنيت على هذا العمل الجبار وكانت هذه المدارس بداية لتعريف الأبناء بدين الآباء ولغة بلادهم الأصلية.ولم ينسَ رحمه الله حاجات بلده لبنان، خاصةً بعد الأزمات التي عصفت به في الربع الأخير من القرن الماضي وكنا قد أنشأنا في لبنان بيت الزكاة (1983) فعمل رحمه الله مع بعض إخوانه على إنشاء بيت للزكاة والأيتام في سدني وراح البيت هناك يكفل أيتاماً من طرابلس والشمال عبر بيت الزكاة اللبناني. وصل تعداده في هذا العام إلى ما يقرب الخمسماية يتيم. كما أنشأ رحمه الله مكتباً ومكتبة هناك لصالح العمل والدعوة والتعاون فيما ينفع الجالية.وكان رحمه الله كثيراً ما يردد حديث النبي r (إنَّ لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس حبَّب إليهم الخير وحببهم إلى الخير أولئك هم الآمنون من عذاب الله). ويسأل الله أن يكون ونكون ويكون إخواننا جميعا منهم بإذن الله.ثم، كشأن أي صراع قد ينشأ بين أبناء الصف الواحد، دب الخلاف حول بعض المسائل الفرعية ففترت همته رحمه الله، مما حملني على توجيه كتاب له مؤرخ في 9/11/2002 ومما ورد فيه مخاطبا إياه:(نحسبك أيها الأخ الرائد احد ابرز هؤلاء الرجال الكبار فلا تلتفت إلى الوراء ولا تراكب أمامك ما اعترضك في مسيرة حياتك فتخور عزيمتك وتتفتت إرادتك بل انظر إلى المستقبل إلى الأيام القادمات وما علينا أن نقوم بجهود لنخفف عن المسلمين (الجاهلين) ما يحاك ضدهم من مؤامرات ونقدم لهم النصيحة الصادقة والقول السديد مستعينين بذلك بالله أولا وبحكمة الإسلام الخالدة فالحكمةُ ضالّةُ المؤمن أنّى وجدها فهو أحقّ الناس بها ).فتلقى رحمه الله نصيحتي بقلبٍ سليم وكانت فترته إلى خير وزار لبنان وطرابلس ومنحه بيت الزكاة والخيرات وسام الخير الأكبر وألقى خطبة الجمعة في مسجد الأبرار التابع للبيت ثم عاد إلى سدني ليتابع العمل الخيري والإسلامي دون توقف حتى وافاه الأجل ومضى إلى ربه الغفار الحنان.رحم الله الشيخ خليل الشامي وجعل أعماله المشكورة، وما أكثرها، والتي لا يسعنا هنا ذكرها كاملة في صحائف حسناته وحفظ الله أهله وولده وإخوانه وبارك للجالية هناك ِأعمالهم، وأبدلهم خيراً منه يسير كما سار رحمه الله على هدى الإسلام ملتزماً مصلحة المسلمين العليا.