صهينة المال وجنون السعار أم حد ادنى لحياة كريمة

12/10/2011

عبر المفكر والكاتب الإسلامي من لبنان رئيس جمعية الإنقاذ الإسلامية اللبنانية ورئيس اتحاد المؤسسات الإسلامية الدكتور محمد علي ضناوي.

"كاد الفقر أن يكون كفرا"، ولقد أثِرَ عن النبيr أنه كان يستعيذ من الكفر والفقر ومن غلبة الدين وقهر الرجال، والله سبحانه جعل في الأرض أرزاق الخلائق جميعاً، حتى الدابة والنملة والسمكة في الماء و(الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار).لكن إذا ما نقص الغذاء والماء و(الكهرباء) عمَّ البلاء، وجاع الناس والدواب، والذي يزيد الأمر سوءاً أن ذلك كان بفعل "القاهرين" الممسكين بزمام الأمور (فما جاع فقير إلا بما متع به غني)، ونزيد اليوم، إلا بما احتكره المحتكرون، وهم ملعونون، والتجار المسيئون الذين يـتلاعبون بالأسعار. فمن وحي هذا المنظور السليم، تُستمد العدالة الاجتماعية والحدود الدنيا للأجور، التي  يجب أن تتكفل بحاجات الإنسان الأساسية والعالمية أيضاً، فإذا بنا اليوم نجد تلك الحاجات مرهونة ببضعة دراهم، تعطى باليمين لتؤخذ سريعاً بالشمال، وليعود بعد ذلك الناس في كرة جديدة للمطالبة بحد أدنى جديد. ذلك أن (القائمين) على أمر الاقتصاد والمال يخططون لأكل (الزيادة) قبل أن تضاف، فيصبح بصورة عملية (المليون الجديد) مثلاً مساوياً للخمسماية ألف الحالية أو ربما أقل، بينما ظن صاحب الحاجة أنّ حاجته ستسد في (المليون) الجديد، فإذا به يجد المليون لم يعد يكفيه، وعاد حاله إلى ما كان أو أسوأ.تبقى ملهاة الأجور وارتفاع الأسعار وغلاء الحاجات تسير بانتظام، ويعيش الناس في دوامة الضغوط، مما يؤدي بعد ذلك إلى الانفجار، تماماً كما في حالة (طنجرة الضغط) أو (المفاعل الذرية). فالانفجار هو دائماً الحل الأخير. وهذا أبو ذر الغفاري الصحابي الجليل يصور مثل هذا الواقع المرير بأبهى عبارة (عجبتُ لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه)، فكيف إن لم يجد الدواء وعزّ عليه الاستشفاء، وغلت عليه أقساط الأولاد من الابتدائي إلى الجامعي، وكيف بإكمال دراستهم العليا؟ وكيف إذا لم يجد في داره الماء والكهرباء، ولم يجد الأوتوبيس كما لم يجد سيارة الأجرة، إلا بأسعار مرتفعة، ولا وسائل التدفئة ولا الثياب ولا الأغطية؟ وكيف إذا ما سمع ورأى عبر القنوات مفاخر الأثاث، وأُقنع بأن عليه أن يقتني الخليوي مع اشتراك الانترنت، مما جعل ذلك الأثاث الفاخر والخليوي لجميع أفراد العائلة من الضرورات(؟؟)، وبات رب العائلة يحتار كيف يؤمن تلك التكاليف الشهرية(بدل إيجار +استشفاء+ تعليم+ كهرباء بنوعيها والماء بنوعيها وهواتف أرضية ومحمولة الخ..) وبذلك يدرك المواطن العادي أنّ تكاليف الحياة غدت باهظة، ويدرك أنّ عليه أن يطالب ويطالب لكي يتمكن من مواجهة الأعباء، وهو ما يُحَوّل أمور الأجور إلى مسألة وطنية، يسارع السياسيون والأحزاب واتحادات العمال والموظفون على مختلف مستوياتهم إلى استغلال القضية "العادلة"، بينما يحتاط التجار وأصحاب المؤسسات والشركات الكبرى بالاستعداد لمواجهة الطوارئ القادمة، وهكذا وبين ليلة وضحاها تجن الأسعار وتزيغ الأبصار، وتدور البلاد والأوطان في دائرة التكرار، وتعود الشكوى وتتجدد المطالبة باللعبة إياها الجديدة القديمة (تعديل الرواتب والأجور).ولهم بالسادة الوزراء والنواب الأسوة الحسنة والقدوة المثلى.*        *        *في الحقيقة تلك ملهاة دائمة في النظام الرأسمالي، الذي لا ضوابط له ولا رعاية صحيحة للحاجات الاجتماعية للمواطنين. وبدون مواربة، يقف وراء تلك الملهاة صهاينة المال، فهؤلاء منذ أن قرروا إقامة "دولتهم" واحتلال "فلسطين"، وضعوا خططهم الجهنمية التي ـ على ما يبدو ـ تسير عليها أنظمة الأرض، ومنها مثلا مسألة الأجور وغلاء الأسعار، وقد قالوا:(علينا أن ندفع بالعمال والموظفين للمطالبة بزيادة الأجور، لكننا بالمقابل سنعمل على رفع أسعار الحاجيات، حتى لا تكون هذه الزيادة ذات أثر أو فائدة تذكر، وهدفنا هو إيصال الأغيار الذين يقفون في وجوهنا، إما إلى الانهيار الاقتصادي، وإما إلى التضخم المالي، وعندها سيضطرون إلى طلب العون والمساعدة، إما منّا مباشرة، وإما من أحد البنوك أو المؤسسات المالية العالمية التي نسيطر عليها في العالم، وعندئذ سنفرض عليهم شروطنا...).وسواء كانت تلك البروتوكولات صحيحة المصدر أو شيئاً آخر، فهي حقيقة واقعة معاشة، وخلفياتها تُظهر لعبة الأجور وتوابعها من انهيار النقد إلى حرق الأسعار.*        *        *لا يسعنا في النهاية، إلا أن ننصح الجميع، الحكومة والمؤسسات، والعمال وأرباب العمل، والأغنياء والفقراء، بأنّ حل (زيادة الأجور) ليس بحل عادل ومنصف ووطني، وهو حتماً يُضعف النقد الوطني ويزيد في الغلاء، وقد أثبتت التجارب السابقة هذه النتيجة المرعبة، فهذا الدواء سم يميت ولا يحيي، ويدمر البلاد والعباد ولا يبنيهما. ويعرض كثيراً من المؤسسات الصغيرة للافلاس، ويكثر من البطالة وبالتالي الجرائم وتدهور الأمن.الحل الأمثل هو منع الاحتكار ومنع الأسعار والزيادات الضريبية، وهو أيضاً في تفعيل مؤسسات الخدمة العامة والضمان الاجتماعي وتعاونيات الموظفين وسائر القوى الأمنية، وفي توسيع شبكة الضمان، لتشمل جميع المواطنين، وتوسيع شبكة خدماتها الطبية والاجتماعية والتعليمية والرعائية وضمان الشيخوخة وسوى ذلك، دون أن يتحمل العمال ولا أرباب العمل أية إضافات جديدة.إنّ هذا الحل لا ينضبط إلا إذا أعطت الدولة مثلاً رائداً بتعديل مشروع موازنتها الجديد، وتخفيض الضريبة المضاعفة بدلا من زيادتها، واتخاذ إجراءات قاسية وشديدة لمنع الهدر، وإسقاط المفسدين في دوائرها ومحاربة الفساد، فهؤلاء المرتشون والمتلاعبون بحقوق البلاد والعباد آن لهم أن يستريحوا أو على السجون أن تؤويهم.ونتساءل بمرارة ماذا ستفعل الحكومة؟ هل ستلبي طلب الزيادة أم تتبع الخطى المدروسة؟ أم أن البروتوكول الصهيوني يبقى هو الدستور الأعلى فوق كل الدساتير إلى أن تسقط دولتهم "إسرائيل" اللعينة ويتحرر العالم من صهينة المال والعباد!!.