قراءة في كتاب النبتة القاتلة

 

 

قراءة في كتاب النبتة القاتلة في طبعته الثانية

لمؤلفه الدكتور محمد علي ضناوي

                                                                              حسن السيد([1])

كتاب النبتة القاتلة لمؤلفه د. محمد علي ضناوي كتاب قيم، واجب قراءته من كل أفراد المجتمع، وقد يسَّر الكاتب على الجميع اقتناءه ومطالعته بعد أن نشره على موقعه العنكبوتي المذكور في نهاية هذا التوثيق، وقد أَلحق الكاتبُ بالكتاب في طبعته الثانية، والتي صدرت في أقل من سنة من الطبعة الأولى، مجموعةً من الصور التي تمثل أعضاءَ في جسم الإنسان، فعل فيها الدخان فعلته النكراء فيها، فحوّلها إلى كتل مخيفة، تجعل الإنسان العاقل، يفر من التدخين فراره من الأسد، كما يدرك أن عدوه في جيبه وعلى منضدة مكتبه وبيته، وبين إصبعيه يميته ببرودة، وعلى فترات، ثم يأخذه بضربة قاتلة أخيرة. وقد اسودّ كثير من أعضائه في جسمه المتهالك!!!.

وقد نشرت ـ مشكورة ـ مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية في دولة الإمارات الكتاب (النبتة القاتلة) في طبعته الأولى، وهو أحدث إصدارات الدكتور محمد علي ضناوي. ثم أصدر مكتب الدعوة والارشاد في بيت الزكاة والخيرات طبعته الثانية، ويقع الكتاب في 384 صفحة من القطع الكبير، وقسّم الكاتبُ مؤلَّفه إلى أربعة عشر فصلاً بعد مقدمته في الطبعة الثانية، التي أضاف فيها معلومات منه، ولفت إلى أمور دقيقة غاية في الأهمية.

ويتميز الكتاب بجزالة ألفاظه، وصدق معلوماته، الأمر الذي يجعل قارئه ـ إن كان مدخناً ـ على قناعة تامة بضرر التدخين وخطورته، مدركاً أن نهايته بالموت المحتم قد تكون بسبب من أمراض التدخين القاسية.

وإنه لتوفيق من الله تعالى، أنْ ألْهَمَ الدكتور ضناوي التأليف في هذا الموضوع الخطير، فقد غدا التدخين من أكبر آفات الزمن الذي نعيش، وقد تفنن مصنعوه بشتى أنواع الدعاية والإعلان والإعلام ليجذبوا شرائح كبيرة من المجتمع، مما حدا بالأمم المتحدة إلى المبادرة لإصدار تشريع دولي، في محاولة جادة للحد من انتشاره، ووضع الإجراءات المعقدة أمام إنتاجه وصناعته والاتجار به والدعاية له. كما حضت التشريعات الدولية والمحلية على نشر وتعميم مضار التدخين، وسنّت الشرائع والقوانين لمقاضاة شركات التدخين من قبل المتضررين وهم غالبية المدخنين.

*           *           *

بداية، تناول المؤلف تاريخ التدخين ظهوراً وانتشاراً ومقاومة، وبين أن التبغ لفظ أجنبي دخل اللغة العربية دون تغيير، وأنه من شجرة أمريكية الأصل، من الفصيلة الباذنجانية المليئة بالنيكوتين، وهي مادة سامة يبلغ المقدار المميت منها  2.16 سنتغرام، وأنّ كريستوف كولومبس عند اكتشافه أمريكا وجد سكانها يدخنون من أنوفهم، كما نقل نبات التبغ إلى إسبانيا أحد المستكشفين إبان عهد الملك (فيليب الثاني)، ثم بدوره قام سفير فرنسا في البرتغال بنقلها إلى بلاده، ليتم انتشار التبغ زراعة وتدخيناً في معظم بلاد أوروبا أواخر القرن السادس عشر.

وتحت عنوان السجل الأسود للتدخين، تحدّث المؤلف عن تقارير منظمة الصحة العالمية، والتي أثبتت ارتفاع نسبة الوفيات بين المدخنين، إذ جاء فيها: (بعد كل ست ثوان تحصل وفاة في العالم من جراء التدخين، وبحلول سنة 2030 يموت أحد عشر مليوناً بسببه). وعرّج المؤلف في هذا الفصل على تأثير التدخين على الأوعية الدموية الرئيسية، وعلى القلب والأوردة، وتسببه في سرطان المريء والجهاز الهضمي، وسرطان الرأس والعنق، إضافة إلى السلّ وتلف الدماغ، والعجز الجنسي عند الرجال، والصحة الإنجابية عن الإناث، حيث يؤدي إلى الإجهاض التلقائي، والتأثير سلباً على صحة الجنين واحتمال تشوهه.

وبسبب انتشار آفة النارجيلة في عموم البلاد العربية ومنها إلى أوروبا، أفرد المؤلف للتنباك فصلاً كاملاً، فأوضح أنّه يُعدُّ من أخطر أنواع التبغ، كما أورد ـ نقلا عن منظمة الصحة العالمية ـ أن جلسة نارجيلة واحدة مدتها ساعة، يستنشق فيها المدخن ما بين مائة ومائتين مما يستنشقه من تدخين سيجارة واحدة.

وطالما أن غير المدخن ليس بمأمن من ضرر التدخين، بسبب حصول ما يسمى بالتدخين السلبي أو القسري، والذي هو أخطر من عملية التدخين نفسها، لذلك ركز المؤلف على هذا الجانب الخطير في الفصل الرابع، حيث أورد حقائق وتقارير تفيد بأن الدخان المتصاعد يحتوي على الكثير من القطران والنيكوتين، وغاز أول أوكسيد الكربون السام. ومن اللافت ما ذكره، من أنّ استنشاق المدخن يبلغ أقل من ربع السيجارة، في حين أن الجالس بجانبه يستنشق ثلاثة أرباعها.

ثم عقد فصلا آخر أسماه (الموقف من النبات تبعا لمنافعه ومضاره)، أشار فيه إلى أن الله لم يخلق شيئا عبثا، إذ إن بعض النبات مفيد ونافع إذا ما استخدم بطرق صحيحة وإلا أدى إلى أضرار بليغة. وتطرق فيه إلى التبغ والقات والقهوة والشاي، وكيف أنّ الإنسان تعامل مع النباتات بعفوية وصدق، مكتشفاً ماهيتها، وراح يصنفها تبعاً لفوائدها ومضارها. كما لفت إلى موقف فطري طبيعي للطيور والنحل والبهائم، إذ لا تقرب ـــ جميعها ــ نبتة الدخان، بل تفر منها وتنأى عنها. وذكر أن القات لا يقل ضرراً عن التبغ، موضحاً أنّ منافع النبتتين: الدخان والقات، عظيمة لو أنهما استعملا في مجال الطب.

*           *           *

وتحت عنوان (القول الفصل في التدخين حرام في الأصل)، أوضح المؤلف سبب انقسام العلماء في تنزيل الحكم الشرعي المناسب للتدخين، فمن المعلوم أنه أمر مُستجدّ، إذ لم يكن موجودا زمن التنزيل فيعطى الحكم المناسب، لذا اختلفت آراء العلماء فيه، فمن لم يستبن أضراره أباحه انطلاقا من قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة)، ومن قوله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم).

أما من ثبت عنده ضرره فقد حكم عليه بالحرمة بناء على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) و(الضرر يُزال شرعاً). ومن اشتبه عليه الأمر حكم عليه بالكراهة ، وبعد أن أورد المؤلف مئات التقارير القاطعة بضرره، مما لا يدع مجالا للشك، أوضح أن التدخين حرام عند المبيحين والمحرمين، ذلك ان المبيحين إنما أجازوه بناء على عدم ثبوت الضرر منه، فلو ثبت لديهم لقالوا بالتحريم، لذا نستطيع القول بانعقاد الإجماع على حرمته بعد ثبوت ضرره بما لا يدع مجالاً للشك.

ولما كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن ضرر التدخين، وإعلان تحريمه لجأت شركات الدخان المتضررة من ذلك، إلى الإيعاز لبعض الذين ينتحلون صفة العلم الشرعي، للقول :(إنّ قيام الصائم بالتدخين في نهار رمضان لا يفطره) وهو أمر تترتب عليه انعكاسات خطيرة.

وأشار المؤلّف إلى أنّ لعلامة السيد محمد حسين فضل الله ـ رحمه الله ـ وإنْ كان من القائلين بحرمة التدخين ـ إلا أنه ذهب إلى أن شرب الدخان ليس من مفطرات الصيام!!!، فناقشه مؤلفنا وردَّ عليه بأسلوب موضوعي علمي، مفنداً كل الشبهات الواردة في كلام السيد، وجاءت هذه الردود في الفصل السابع الذي هو أهم فصول الكتاب، كما الفصل السادس أيضا.

*           *           *

وجاء الفصل التاسع بعنوان ( التدخين إلى ردهات المحاكم)، استهله المؤلف بذكر سلسلة الدعاوى المقامة من مدخنين تضرروا ضد شركات التدخين العالمية، وبخاصة في أمريكا. مؤكداً أن قرارات المحاكم في العالم تشكل الغطاء الأمثل لسنِّ قوانين لا تقتصر على حظر التدخين في الأماكن العامة فحسب، بل تتخطاه إلى منع زراعته والاتجار به، كما عرض لفتاوى حديثة في مصر وغيرها، تجيز لأحد الزوجين طلب الطلاق بسبب تأذيه من شريكه المدخن.

ثم ذكر عناوين عريضة: ( معاهدة دولية لحظر التدخين ومدى التزام الدول بتطبيقها) ، (محاولات الدول لحظر التدخين)، ( حظر التدخين في القوانين العربية)، ( مكافحة التدخين بالتعاون بين السلطات الرسمية والبلدية ـ المدينة المنورة نموذجا)، ( معاهدة حظر التدخين في مجلس التعاون الخليجي)، وتحت كل عنوان شرحٌ وافٍ، يبشر ـ في حال التطبيق ـ بمستقبل أقل تدخينا وضرراً.

وحول (علاقة الإعلام والإعلان بالتدخين)، اعتبر المؤلف أنّ الإعلان يشكل مدخلا كبيرا إلى عقول وجيوب الناس، حتى السلع الضارة كالدخان ونحوه، لذلك تسعى شركات التدخين جاهدة لترويج منتوجاتها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهي في حرب دائمة مع إصدار قوانين الحد من انتشار التدخين ومنع الإعلان ،ولا تكتفي بذلك بل تحاول اختراق الأبحاث العلمية المثبتة لضرر التدخين وتسببه بالعديد من الأمراض الفتاكة بُغية التشكيك بصدقيتها.

وبعد مناقشته استخدام مادة بديلة عن النيكوتين، تمهيدا للانقطاع التام عن التدخين، أظهر المؤلف وجوب معاملة المدخنين معاملة الطبيب الشفيق الرحيم، فوضع عدة (وصايا) لمن أطلق عليهم (الإخوة المدخنين) محدداً خطة طريق من شأنها مساعدتهم في التخلص من التدخين بسهولة ويسر، مركِّزاً في هذه (الوصايا) على الجانب الإقناعي والوازع الديني.

وختم د. ضناوي سِفرَه القيِّم بمشاهد وقصص معبرة، تحكي قصص كثيرين ممن أوردهم الدخان مورد الهلاك، فندموا ولاتَ ساعةَ مندَمِ، وقصص غيرهم ممن تداركتهم رحمة الله فتركوا التدخين وعاشوا حياتهم هانئة سعيدة، وبالقصص الواقعية والتوجيهات الربانية والتقارير العلمية يكتمل مشوار الامتناع عن التدخين.

*           *           *

الكتاب النبتة القاتلة كتاب للجميع: الشاب والشابة، والزوج والزوجة، الكبير والصغير، وقد سهّل الكاتب الكتابَ على راغبيه، فنشره على موقعه الكلمة الطيبة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. يمكن لمن أراد الدخول على الموقع قراءَته أو طباعة نصوصه . فشكراً للمؤلف وشكراً للناشر، وندعو المؤسسات الدولية والمحلية ووزارات الدولة لاعتماده مرجعاً رئيساً في الحملة على التدخين.



([1]) من إدارة الأبحاث والتوثيق في بيت الزكاة والخيرات ـ لبنان.