عاشوراء الوحدة والفرح

 

 

هل ستكون؟

للدكتور محمد علي ضناوي ([1])

المسلمون قبل استشهاد حفيدِ رسول الله r، الحسين بن علي وفاطمة الزهراء y، كانوا يعرفون أنّ عاشوراء يومُ نصرِ الإيمان على الكفر، والحق على الباطل، واستعلاء المؤمنين على الطغاة. وكان ذلك عندما نجّى الله موسى u ، وشقَّ له البحر طريقاً يبساً، بينما غرق الديكتاتور المتألِّه فرعون وجنوده في اليمّ، ثم لفظ الموج فرعون إلى الشاطئ وحيداً، ليكون عبرة لأهل زمانه ولكل زمن آتٍ. فصام النبي r عاشوراء، شكراً لله على نصره نبيه العظيم موسى، وصام معه تاسوعاء مخالفةً لليهود، وزيادةً في شكر الله سبحانه وتعالى رجاء انتصارات أخرى تتحقق على مدى التاريخ..

وعلى هذا، غدا يوم عاشوراء، عند المسلمين، يومَ فرح ٍوحُبُور، ويومَ توسعة على الناس، ويوم شكر على نصر الأنبياء وعباد الله الصالحين.

لكن شاء الله سبحانه، كما سبق في علمه، أن يتقاتل المسلمون بعد الخلافة الراشدة، وأن يُصرع الحسينُ حفيدُ رسول الله ويخرّ شهيداً في كربلاء، بعد أن تخلى عنه مناصروه وخذلوه.

إنّ استشهاد الحسين ضربةٌ موجعة لأمة الإسلام في ذلك الحين، وهو بالتالي يوم حزين، يُذكّرنا بخزي التخلّي من قِبَل أنصار الحسين، وعار التقاتل بين المسلمين.

*        *        *

مشهدان لعاشوراء من التاريخ متعاكسان ومتناقضان: يوم نصر وفرح وشكر، ويوم ندم وحزن واستغفار.

وكلا المشهدين انقضيا، ومعهما كل من كان فيهما وما كسبت أيديهم، فتلك أمة قد خلت (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة: 134].

إنَّ ترْكَ بعض المسلمين، خلال فترات من التاريخ، مضمون هذا المبدأ الرباني الخالد، سبَّب ويسبِّب استمرار الشرخ الكبير في الجسد الإسلامي المهيض.

غير أن الرؤية الواجبة اليوم، خاصة في هذا الوقت العصيب، وقد تكالبت علينا الأمم وتداعت علينا الصهيونية بقهرها وكيدها وإرهابها، لَتُلْزِمنا أن نرى بعينين لا بعين واحدة، فندرك معاً أنّ الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله، القائد البطل، ليس لفئة دون أخرى، إذ هو شهيد الأمة بأسرها، للمسلمين جميعاً، لأي مذهب انتموا. إن كلَّ قول آخر يجعل الحسين في موقع لا يريده، وفي خانة يرفضها، وتترتب على ذلك إساءة إلى البطل الشهيد، وإلى تراثه المحمدي الإسلامي الطاهر، كما أمه وأبيه عليهما رضى الله، وأيضاً إلى جده الأكرم  r .

*      *      *

علينا أن نفهم بإيجابية متفتحة وبوعي بصير، أن حركة الحسين إنما تهدف إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعلى هذا، فعلى كل من يحبُّ الحسين وأهل بيت النبي من المسلمين (سنة وشيعة)، أن يعملوا على تشذيبها من الشوائب التي أُلحقَتْ بها، ومن تخيلاتها التي أضيفت عليها، وأن نتعامل معها بميزان شرعي إسلامي مستنير، وأنْ نستظل إلى الأبد بالموقف الذي أطلقته آية سورة البقرة السالف ذكرها (تلكَ أمةٌ قد خلَتْ)، مؤكدين اعتزازنا بسيد الشهداء الحسين سيد شباب أهل الجنة، مع أخيه الحسن رضي الله عنهما، وهما ريحانتا النبي الأمين r وحبيباه، ويبقيان ريحانتين لكل مسلم محب لرسول الله ولأهل بيته الكرام، فمن أبغضهما أبغض رسول الله نفسه!!!.

*      *      *

إنَّ مشهدي عاشوراء التاريخيين المتناقضين، يجب أن يرتبطا باستخلاص الدروس والعبر، ولا يجوز أن يُبنى على ذلك موقف يتسبب بتجدد الخصومة بين المسلمين، خاصةً بعد انقضاء قرون طويلة من القيل والقال، والخصومات غير المبررة وغير الجائزة شرعاً، بما في ذلك تمثيل المشهد الحسيني وكأنه واقع مستجد، تتجدد فيه الأحزان، وتُنكأ الجراح وما هو أشد. وعلينا إن كنا أوفياء للحسين البطل، أن نتمثل بطولته وشهادته، وأن نعلن أن كل فُرْقَةٍ بين المسلمين شر، وأنّ كلَّ خلافٍ مُصطنع أو مُتعمد أو مدفوع إليه مرفوضٌ منبوذ من الله سبحانه ومن عباده المؤمنين. فأمَّة الإسلام واحدة، وعلى شعوبها نبذ الفُرْقَة والاختلاف، وعلى مذاهبها التوحُّد على الله، وعلى كتابه وسنة نبيّه r، وعلى منهج خلفائه الراشدين وصحابته الأبرار. وكل انحراف عن هذا خيانة للأمة وللإسلام، وكل فجيعة تصيب المسلمين من جديد، إنما يتحمل كِبْرَها ومسؤولياتها الجسام الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال، أو يحبون أنْ يلغوا بدماء المسلمين، وما هؤلاء إلا الذين يتقاتلون ويتحاربون بالسيف أو الكلمة القاسية المُنفّرة أو المُرهِبَة.

*      *      *

إنَّ لبنان اليوم ــ كما سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول الاسلامية ــ، يعيش حالة لا يحسد عليها... فقد وصل بالقطار السريع إلى التخريب المبرمج ضمن أسلوب التدمير المتدرج، وتكاد الفتن تعصف من جديد، في حين أن الفتنة إن استمرت وتصاعدت وتحولت إلى تقاتل داخلي قاصف فلن يسلم منها أحد، ويكون الرابحَ الأكبرَ الصهاينةُ وعملاؤهم المجرمون.

*      *      *

أرى الحسين ــ حفيد النبي العظيم ــ ، أراه يتململ في قبره المنير، يصرخ في محبيه لأيِّ مذهب انتسبوا، أنْ كُفّوا عن اللعب بالنار، وأفيئوا إلى الأخوّة والسلام، فالمؤمنون إخوة شاء من شاء وأبى من أبى، ولكن (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8]. (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ) [الأنعام: 152].

إنّ ما نرجوه هذا العام، أن تكون عاشوراءُ عاشوراءَ الفرحِ بوحدة المسلمين ونبذ الخلاف. فهل هذا سيكون؟

حُلُمٌ نراه أم هو إرادة تتجسد عما قريب؟ سؤال نرفعه بأمل إلى من بيده الأمر والفصل (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ )[العاديات: 11] و(إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) [فاطر: 31].



([1]) مفكر وكاتب إسلامي من لبنان، رئيس جمعية الإنقاذ الإسلامية اللبنانية، ورئيس اتحاد المؤسسات الإسلامية.