اللغة العربية: واقعها الأليم وغَدُها المأمول، وخطة طريق لتعزيز العربية

 

تواجه اللغة العربية في عصرنا هذا مشكلات عدّة، ولولا أنها لغة التنزيل الذي تكفّل الله U بحفظه، لكانت مشكلةٌ واحدةٌ فقط ــ من هذه المشكلات ـ كفيلةً بالقضاء المُبْرم على هذه اللغة الشريفة. وقد بات معلوماً أن من جملة أهداف الحركة الهجومية على العربية استهدافُ القرآن وفهمه، والتراث العربي المجيد وإدراكه، فَهُما من أسرار نهضة الأمة على مدار العصور.

تلك المشكلات نراها ـ وللأسف ـ تتضخم يومًا بعد يوم، دون أن نجد خطوات عملية من أهل هذه اللغة، ومن المسؤولين في الأمة نحو معالجتها والوقوف بوجهها والقضاء عليها، أو حتى العمل على الحدّ من خطورتها. بل لا نكون مبالغين إن قلنا: إننا ــ نحن العرب ــ نعمل في كثير من الأحيان ـ ونحن نشعر أوْ لا نشعر ـ على ترسيخ هذه المشكلات بإهمالنا للفصحى في: خُطَبِنا الدينيَّة والسياسيَّة، وندواتنا، وحواراتنا، وإعلامنا، ومدارسنا، وجامعاتنا. بل وصل الأمر إلى الجامعات لمناقشة الرسائل العلمية المختصة باللغة العربية التي تجري في العامية أو خليط ما بين الاثنتين . إن حالنا مع اللغة العربية حال تدعو إلى الأسى، لأننا بإهمالنا لغتنا نهمل ــ في الحقيقة ــ أنفسنا، وحضارتنا، وتاريخنا، ومجدنا، وتراثنا. إننا نعمل على ذوبان أنفسنا في غيرنا، وهو الذي يسعى جاهدًا لتحقيق ذلك بشتى الوسائل بهدف استعمار أنفسنا، وفَرْضِ ما يريده علينا، وقطع صلتنا بديننا وحضارتنا وتراثنا...

يقول ابن خلدون: (إن قوة اللغة في أمة ما ، تعني استمرارية هذه الأمة بأخذ دورها بين بقية الأمم ، لأن غَلَبَة اللغة بغلبة أهلها، ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم).

وعلى هذا نقول: هناك خمس وعشرون لغةً تموت سنوياً كما تُشير الأبحاث العلمية من مجموع اللغات في العالم، التي يقدرها الباحثون بحوالي ستة آلاف لغة، والتي تتوقع الدراسات أن تختفي منها ثلاثة آلاف لغة مع انتهاء القرن الحادي والعشرين. وما نخشاه، أن تَصْدُقَ خطط العولمة المخيفة، والتي تظن أن العربية ستختفي في آخر القرن الواحد والعشرين. إلا أن العربية أقل اللغات عرضة للخطر بإذن الله، إذا ما انتبهت الأمة إلى ما يخطط لها.

ومن خلال التجربة اليابانية، نرى أن العلوم والمعارف الأجنبية الحديثة غدت يابانية اللغة، فشاركت اليابان في النهضة العالمية الحضارية، مع الإبقاء على الخصوصية الثقافية واللغوية لقوميتها. فما إن حلَّ عام 1907م، حتى كان سبعة وتسعون بالمائة من الشعب الياباني متعلماً، وكانت نسبة الحاصلين على الشهادة الابتدائية عام 1910م مائة بالمائة. ثم تتابعت إنجازاتهم العلمية ومشاريعهم الحضارية، ضمن سلسلة من النجاحات الباهرة. ولم تكن ـ في كل ذلك ـ اللغة الأجنبية عاملاً في نهضة اليابان الحديثة، بل إن الثابت أن شعب اليابان ـ في العموم ـ يعاني ضعفاً في اللغة الإنجليزية، والمتعلم الياباني يتأخر ترتيبه بين طلاب الدول الآسيوية إلى المرتبة الثامنة عشرة في اختبارات مهارات اللغة الإنجليزية، ولم توضع قضية تعليمها للبحث والدراسة عند المختصين ـ باعتبارها لغة أجنبية ـ إلا ضمن مقترحات خطة اليابان للقرن الواحد والعشرين الميلادي، بعد ظهور مفهوم العولمة، وما ترتب عليه من الانفتاح الثقافي العالمي، وحاجة الياباني المثقف بصورة عاجلة ـ في هذا الظرف الحضاري ـ إلى كثير من المعلومات المتوافرة باللغة الإنجليزية.

وفي التاريخ الحديث في عهد الرئيس فرانسوا ميتران 1994 ثمة تجربة صعبة تمر بها اللغة الفرنسية، عندما حاولت الإنجليزية غزوها في عقر دارها في فرنسا بالذات، فضلاً عن مراكز انتشارها. فأدركت فرنسا خطورة الهجمة التي أوصلتها الأقمار الصناعية إلى بيوت الفرنسيين، حتى نجح الإبهار الأمريكي في جذب عدد كبير من المشاهدين، واختراق ألسنتهم، مما دفع حرّاس المشروع الفرنسي في مايو 1994م لتشريع قانون أُطلق عليه اسم «لزوم الفرنسية»، يَمنع أيّ مواطن فرنسيّ من استخدام غير الفرنسية، طالما أن هناك ألفاظًا أو عبارات مماثلة تؤدي ذات المعنى في الفرنسية. والمجالات التي يسري عليها الحظر هي: كافة الوثائق والمستندات، والإعلانات المسموعة والمرئية، وكافة مكاتبات الشركات العاملة على الأرض الفرنسية، وبوجهٍ خاصّ المحلات التجارية، والأفلام الدعائية، التي تُبثّ عبر الإذاعة والتلفزيون. بل إن القانون اشترط على الجهات المحلية والحكومية، ألاّ تُموّل سوى المؤتمرات والندوات التي تكون الفرنسية لغتها الأساسية. كما منع نشْر أعمال تلك المؤتمرات والأبحاث التي قدمها أجانب بلغتهم الأصلية، ما لم تكن مصحوبة بملخص مكتوب بالفرنسية. وأوصى القانون بعقوبة المخالف بالسجن أو الغرامة المالية، التي تصل إلى ما يعادل ألفيْ دولار، وذلك كله في محاولة جادة لاستنقاذ التراث الفرنسي المهدد بالإغراق اللغوي، كما أطلقوا الحركة العالمية الفرانكفونية التي أمّنت زخماً قوياً للغة الفرنسية، وأبقتها حيَّةً مع الإنجليزية.

وإنْ كانت فرنسا وقفت تلك الوقفة المتميزة، وحمت تراثها الذي يعود لقرنين أو أكثر، فكيف نحمي نحن تراثنا ومجدنا وتاريخنا وعلومنا وهو مدون بالعربية، لا بل إن اكثر من مليار إنسان في العالم يتمنون أن يتعلموا العربية ويتقنوها، وأحرف لغاتهم المحلية تُكتب بالعربية حتى اليوم، ما عدا التركية التي حولها أتاتورك إلى أحرف لاتينية، مع أنّ كثيراً من كلماتها عربية. واليوم، يعود الأتراك تدريجياً إلى تدريس الأحرف العربية لفهم القرآن وتراثهم العثماني المكتوب بأحرفنا العربية.

وكما التجربة الفرنسية، كذلك توجد تجربتان أُخريان في القرنين التاسع العشر والعشرين. وهي تجربة اللغة اليابانية الرائدة، إذ واجهت العولمة اللغوية بثبات وقوة، فترجمت كافة العلوم إليها، والتزم الشعب الياباني بخط المواجهة، وعلّم وتعلَّم العلوم بلغته فنال مجده، وغدت دولته متفوقة بكل المقاييس. وهناك أيضاً التجربة العبرية ـ نَعَمْ العبرية ـ التي حاكت اليابان فطوَّرت نفسها، وغدت لغة التعليم الرسمي في الجامعات والمدارس والدوائر، حتى إنّ الفلسطينيين في أرض الاحتلال الذين يتعلمون في جامعات الدولة هناك تعلموا علومهم بالعبرية، ونالوا شهاداتهم بها. وفيما كانت اليابان تنتفض حفاظاً على لغتها، والعبرية تخطط للوصول إلى دولة احتلال، وتكرسها لغةً رسمية في كل ما تحمل الكلمة من معنى، كنا نحن في تاريخنا الحديث نتخلى عن لغتنا في جامعاتنا لصالح الانجليزية، وكان ذلك في عهد محمد علي باشا في مصر. فكانت بدايةً مؤسفة للانسلاخ عن العربية في علومها وثقافتها، بينما مرَّ أكثر أبناء الأمة العربية سابقاً بتتريك العربية، ثم بأنجلزتها وفرنستها، في حين أنَّ اللغتين اليابانية والعبرية راحتا تتسلقان المجد اللغوي.

إنّ التجارب أعلاه، تؤكد أهمية أن تقف الأمة شعباً وحكومة وتشريعاً لتأكيد الهوية اللغوية، وهذا يعني تجديد اللغة لاستيعاب أي تطور تقني، وأنْ لا نترك التطوير وعولمة اللغة أن يفترسان لغتنا، وبالتالي شخصيتنا.

وعلى هذا نقول:

إنَّ اللغة العربية عامل أساسي من عوامل الحفاظ على كياننا المتميز بعروبته وإسلاميته، فبات من الواجب علينا الحفاظ عليها، والاهتمام بها والتشدد عليها. علماً أن العربية تواجه مشكلات أخرى، لعل أبرزها مزاحمة العامية لها  في كثير من الميادين، والتي ينبغي أن تكون تلك الميادين للفصحى دون سواها.

أ‌-    قاعات الدرس وما شابهها: حيث تزاحم العاميةُ اللغةَ العربيةَ الفصحى في معقل من أهم معاقلها، إذ إنها تُزاحمها وتُحاصرها في قاعات الدرس، داخل المدرسة والجامعة، فنجد تدريس العلوم المختلفة ومنها: اللغة العربية، يتم بالعامية، وهذا يحمل في طياته اتهامًا للفصحى بعدم صلاحيتها للتدريس، بل لتدريس الفصحى، شعرًا ونثرًا وقواعد. وإن هذا لمِنْ أشد الأمور خطرًا على هذه اللغة؛ إذْ تُهَان على يد مَنْ يُفترض فيهم إعلاء شأنها، وإعادة مجدها، والذوْد عن حياضها.

إن طلاب المدارس والجامعات لا يعرفون الفصحى إلا مكتوبة فقط، أما العامية ـ التي تحاصرهم في كل مكان ـ فتقرع آذانهم داخل الفصول والقاعات، ثم بعد ذلك نرجو للغة الفصحى بقاء!! وننعي طلابها، وننعتهم بضعف المستوى!.

بل إن مما يؤسف له أن تُستخدم العامية في مناقشة الرسائل العلمية، التي تُعنى باللغة العربية الفصحى وآدابها، فكثير من هذه المناقشات ـ إن لم تكن جميعها ـ تختلط فيها العامية بالفصحى، مما يَذهب برونق الفصحى وجمالها.

ويضاف إلى ما سبق المحاضرات العامة، والندوات، والخطب الدينية، وغير الدينية، كل ذلك وما شابهه نجد العامية مسيطرة عليه، عدا قلّة قليلة ما زالت ـ بفضل الله ـ متمسكة بالفصحى.

فهل هانت علينا لغتنا إلى هذا الحدّ ؟ إن الفصحى المنطوقة لم يَعُدْ لها وجود في المدارس، ولا في الجامعات، ولا في الندوات العلمية، وهذا نذيرُ خطر، لأن ضياع اللغة يعني ضياع أهلها، وطمس هويتهم.

ب ـ وسائل الإعلام المختلفة: فالناظر إلى الإعلام العربي بوسائله المسموعة والمرئية، الأرضية والفضائية، يجد أن اللغة التي يستخدمها هي العامية، ولا يستخدم الفصحى إلا في نشرات الأخبار، وبثّ بعض الخُطب السياسية التي يلقيها القادةُ والزعماءُ في المناسبات المختلفة، وما شاكل ذلك.

أما البرامج، والمسلسلات، والأفلام، والمسرحيات، والتعليق على المباريات وغير ذلك، فالعاميات هي المستخدمة، إذ يستخدم كل قُطر عاميته فيها وفيما ينتج من برامج وأفلام... إلخ.

ج ـ الإعلانات التجارية: حيث يعمد أصحاب المصانع والشركات والمحلات التجارية، إلى الإعلان عن بضائعهم في الصحف والمجلات، والإذاعة والتليفزيون، كما يكتبون لافتات يعلقونها في الأماكن المزدحمة، ويعمدون كذلك إلى طباعة أوراق وتوزيعها على جمهور الناس، يفعلون ذلك كله كي تَرُوْجَ بضائعهم.

وعندما ننظر إلى هذه الوسائل، نجد أن العامية تختلط فيها بالفصحى اختلاطًا مشينًا. ولكي نكون جادّين في العمل على انتشار الفصحى وانحسار العاميات، علينا أن نُبدي اهتمامًا كبيرًا بالفصحى في عدّة ميادين منها:

أ‌-         البيت: فنهتمُّ بها في بيوتنا، نُحبّبها إلى أبنائنا ونعلمهم إياها، فالبيت هو البيئة الأولى التي تولد فيها لغة الطفل.

ب‌-     المدْرَسة: للمدرسة ـ وكذلك الجامعة ـ أهمية كبرى في نشر الفصحى وحلولها محل العاميات، ويكون ذلك باختيار المنهج الملائم، حيث تَعتمد العمليةُ التعليمية في المدارس على اختيار موضوعات في علوم مختلفة، والأصل فيها أن تكون مناسبة للمستوى الذي اختيرت له. وبالنظر في حال اللغة العربية، وما آلت إليه من ضعف، نجد أن «كثيرًا من أسباب القصور الحاصل في تعليم اللغة العربية لأبنائنا، يرتبط بالمنهج إلى حدٍّ كبير».

كما أن طريقة التدريس لها دور كبير في تفاقم المشكلة اللغوية أو علاجها، فتقديم المادة العلمية في قالب عاميّ، له أثر كبير في القضاء على الفصحى، وتقديم العامية بديلاً لها. وفي ذلك اتّهامٌ للفصحى بالعجز عن توصيل المفاهيم. وتزداد خطورة هذا الاتهام، إذا كانت المادة العلمية المقدمة للطلاب هي اللغة العربية شعرًا ونثرًاً.

وأرى ـ من الواجب ـ أن يتوجه هذا الاتهام إلى هؤلاء المستمسكين بالعامية داخل الفصل الدراسي، فهم الذين يعجزون عن استعمال الفصحى في توصيل ما يريدون، أو شرح ما هم بصدده من شعر أو نثر، فيلوذون بالعامية التي تنتقل بصورة آلية إلى أذهان الطلاب، فلا يجيدون غيرها حاضراً ومستقبلا.

وقد يقول قائل: إن هذا يحدث داخل الفصول مراعاةً لحال الطلاب. وأقول: إن هذه حجة واهية، فالطلاب الذين يدخلون كلية الطب مثلاً، تُلقى عليهم المحاضرات من أول يوم باللغة الإنجليزية، ومعظمهم لا يؤهله مستواه فيها لفهم كل ما يسمعه، ولكنه يعمل على رفع مستواه، وشيئًا فشيئًا نجده يفهم ما يسمع.

مع أننا في حالة التحدث بالفصحى أمام الطلاب، سنخاطبهم بلغتهم الأمّ، فالأمر أيسر كثيرًا، وحتى لو وجدنا منهم صعوبة في الفهم، ستكون مؤقتة سرعان ما تزول بإذن الله تبارك وتعالى. المهمّ أن نبدأ دون تباطؤ أو تكاسل.

ج ـ وسائل الإعلام: فمن المعلوم أنه لا يستطيع الإعلام أنْ يساهم في حلّ المشكلة اللغوية، إلا إذا كان قدوة يُحتذى بها في الالتزام بالفصحى، والدعوة إلى التزامها نطقًا وكتابة، وبيان أهميتها في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية، إلا إذا كفَّ عن تشويه صورتها بعاميته مما يحطّ من شأنها.

لقد انتشرت القنوات الفضائية انتشارًا واسعًا، وبالتالي لم تعد الرسالة الإعلامية موجهة إلى بلدٍ دون بلد، وأصبح من الضروري أن يلتفت القائمون على أمر هذه القنوات إلى الوسيلة الفاعلة في توصيل رسالتهم إلى جميع الناطقين باللغة العربية، والى جميع من تعلّمها، أو يجب أن يصغي إلى الوسائل الإعلامية العربية وبخاصة المسلمين الذين يبلغ تعدادهم ملياراً، فضلاً عن العرب. وحينئذ لن يجدوا أفضل من الفصحى وعاءً لحمل هذه الرسالة وتوصيلها، دون أن يغيب عن هذا أو ذاك معنى كلمة من الكلمات. بخلاف العاميات التي لا يعرفها إلا أهلها المتحدثون بها. ولو فعل هؤلاء ذلك لاستفادوا في توصيل رسالتهم، ولاستفادت اللغة العربية ذيوعًا وانتشارًا، وأهلها عزّة وفخارًا.

هناك تجربة لافتة وطيبة، في قناة تلفزيونية فضائية للأطفال تنطق بالعربية الفصحى لها تأثير جيد، فالأطفال الذين يسمعونها يلتقطون اللغة العربية الفصحى في كل ما تبثه، ومحاكاتهم لبعض برامجها، وينطقون بالألفاظ الفصيحة التي يسمعونها في تلك البرامج. وهذا دليل قويّ على أهمية السماع في تكوين الملَكَة اللغوية وتنميتها، كما أنه دليل قوي على أهمية وسائل الإعلام المرئي ـ خصوصًا ـ في علاج المشكلة اللغوية، والارتقاء بالفصحى.

مزاحمة اللغات الأجنبية للعربية:

من المشكلات التي تواجهها لغتنا الفصحى ـ كذلك ـ مزاحمة اللغات الأجنبية لها، حيث تزاحم اللغاتُ الأجنبيةُ اللغةَ العربيةَ في عدة ميادين، ومنها:

أ ـ الحوار اليومي بين المثقفين.

ب ـ الإعلانات التجارية.

ج ـ التدريس في كليات الطب والصيدلة والهندسة والدراسات الاجتماعية والاقتصادية وما شابهها.

د ـ مواقع بعض الجامعات على الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت).

هـ ـ المناهج الدراسية والعلمية والاجتماعية والتاريخية والاقتصادية وسواها.

حيث نجد اهتمامًا ملحوظًا ـ في العالم العربي ـ بتعليم اللغات الأجنبية وتعلمها ـ خصوصًا الإنجليزية ـ ويتم ذلك بدايةً من مرحلة رياض الأطفال. ونؤكد هنا، أننا لسنا ضدّ تعليم اللغات الأجنبية وتعلُّمها، بل إن ذلك يصل في بعض الأحيان إلى درجة الضرورة أو الفرض الكفائيّ، ولكن المؤسف أن يكون ذلك قبل نضج التلاميذ، وتمكنهم من لغتهم الأصلية.

خطة طريق لمنافسة العربية للغات الأجنبية

وإذا كانت اللغات الأجنبية تزاحم اللغة العربية في عدة ميادين كما سبق، فإنّ علاجها يكون من نواحٍ عدّة، منها:

أولاً: العمل على غرس الاعتزاز باللغة العربية الفصحى في نفوس أبنائها والأجيال، وتأكيد الانتماء لها كي لا تبقى حيّة في كل حوار وفي الاستعمال اليومي، وإلا حلّت محلَّها لغةٌ أجنبية، أو تختلط بها اختلاطًا مشينًا على ألسنة الناطقين كما هو جارٍ اليوم. ونرى أن يتم غرس هذا الاعتزاز في النفوس عن طريق أمور عديدة منها:

أولاً:

أ ـ بيان الارتباط الوثيق بين الحفاظ على اللغة العربية الفصحى، وبين القرآن الكريم والسنة النبوية، من حيث إنها وعاءٌ لهما، فضياعها والقضاء عليها، يهدف إلى القضاء على القرآن الكريم، وذلك لن يكون بإذن الله U، لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر:9).

ب ـ قيام الأدوات الفاعلة بواجبها في توعية الجمهور العربي، بالمكائد التي يُراد منها تضييع اللغة العربية، وفقدان الشخصية العربية الأصيلة، وأهم هذه الأدوات وسائل الإعلام، لما لها من تأثير كبير في التوجيه والإرشاد وكذلك التعليم.

ج ـ نشر الوعي، من أن الالتزام باللغة العربية الفصحى يوجد التفاهم بين أبناء الوطن العربي، وحتى الناطقين بالعربية من غير العرب، مما يؤدي إلى التواصل مع شعوب كبيرة، الأمر الذي يوجد الوحدة والتفاهم، وفتح مختلف الأسواق والتجارات والتعليم والإعلام والدعاية لأكثر من مليار، إنسان، وعدم الذوبان في الثقافات الوافدة.

دـ ـ نهوض مَنْ هم في موقع المسؤولية بالقدوة الصالحة لاستخدام الفصحى، كالرؤساء، والحكام، والملوك، والأمراء، والوزراء، والمدراء والموظفين أعضاء هيئات التدريس، وأعضاء المجالس النيابية والبلدية، وإدارات مختلف المؤسسات والجمعيات إلخ...

ثانيًا: إعادة النظر في فرض تعليم اللغات الأجنبية منذ وقت مبكر، فإذا كانت لتعليم اللغات الأجنبية فوائدُ عظيمة، فإن هذا يجب أن يبدأ بعد أخْذِ الطالب جرعة كافية ـ إلى حدٍّ ما ـ من لغته الأصلية. كما عليه أن يتعلم المعارف الضرورية بلغته الأم.

ثالثاً: تعريب التعليم، وترجمة جميع العلوم والمعارف إلى اللغة العربية وتبسيطها، أي تدريس العلوم الطبيعية والاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والحقوقية والسياسية باللغة العربية. وإلزام المدارس والجامعات الرسمية والأهلية والوطنية وحتى الأجنبية بلغتهم الأم.

رابعاً: مواكبة التقدم العلمي بوضع مصطلحات علمية موحدّة، مع ضرورة نشرها على الجمهور العربي عمومًا، وعلى المختصين بالعلوم الطبيعية درسًا وتدريسًا، وذلك بالوسائل المختلفة.

خامساً: حظر استخدام الوسائل التقنية والتواصل الاجتماعي المستجدة إلا بالعربية الفصحى، وحظر اللغة العامية واللغة المسماة لغة الكومبيوتر، واللتين تشوهان اللغة العربية.

سادساً: تشريع القوانين اللازمة أو تفعليها في حال وجودها، لمنع استعمال اللغات الأجنبية في الإعلانات التجارية، وأسماء الشركات والمصانع، والمحلات التجارية، والمنتجات...إلخ. ونحذو حذو فرنسا واليابان عندما أرادتا حماية لغتيهما في بلديهما، شريطة أن يُعمَل بالقانون ويُردع به المخالفون.

سابعاً: التحظير، تحت طائلة العقوبة المشددة، كتابة الإعلان عند المحلات والشركات والمؤسسات واللافتات والتسميات بلغة غير العربية، مع السماح بترجمتها إلى الأجنبية.

ثامناً: التحظير ـ تحت طائلة المسؤولية المشددة ـ على جميع المصارف وشركات التأمين والمستشفيات باستخدام غير العربية في مستنداتهم وتعاملهم مع الزبائن، وإنْ كانت المستندات من الخارج، فيجب تعريبها عن اللغة المستخدمة من الخارج.

تاسعاً: منع كتابة لفظ الكلمات العربية بأحرف لاتينية، والإعلان عنها والتسمية بها تحت طائلة نزعها، وإلحاق العقوبات المشددة بمستخدميها.

عاشراً: تدعيم القواعد العلمية في الوطن العربي، للتكامل في مشاركة منهجية للتقدم التقنيّ، قد يكون العالم العربي مشاركًا في صنع التكنولوجيا، لا مجرد مستهلك لها اسْمًا ومُسَمًّى، ووجوب تعريب كافة مصطلحاتها وبرامجها والإلزام بها.

حادي عشر: وجوب إلزام المؤتمرات التي تنعقد في الأراضي العربية، أن تكون العربية لغة المؤتمر، وتترجم لغير ناطقيها من المشاركين.

ثاني عشر: دعم المراكز العربية المتخصصة بحماية العربية كلغة فصحى، وإفادتها من تقنيات مستجدة ومكتشفات حديثة.

ثالث عشر: بكلمة جامعة: تعزيز العربية في كل المجالات والمرافق والمؤسسات.