في ذكرى اغتيال الرئيس الحريري الثالثة
14/02/2008 | |
أرجح أنّ هناك جوانب في حياة الرئيس الشهيد وشخصيته لا تزال لدى كثير من الناس غامضة أو غير معروفة بالكامل. فهو باعتباره أحد عمالقة القرن العشرين والخمسة الأول من القرن الحالي لا يستطيع مؤلف أو كاتب أو متابع ان يجمع بين دفتي كتاب أو مقالة كل ما يُتكلم به عن الرئيس فكيف عن الشهيد؟
1 ـ مما لا ريب فيه وهو ما بات معروفاً ان الشهيد عصامي بامتياز شق طريقه في حياة مليئة بالمفاجآت والمتناقضات فتمكن ، رحمه الله، من الافادة المطلقة من المفاجآت ليتمكن بعدها من التوفيق بين المتناقضات. واذ ندرك انه نَسَجَ أكبر شبكة علاقات في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها نفهم أي شخص هو الرئيس الشهيد. ذلك انه لم يُضِعْ "البوصلة" في عمله في اكثر ألوانه فهو مسلم يفخر باسلامه ويحمد الله ان كان مسلماً. وفي هذا المؤشر تكمن قدرته على تبين الالتباس ويتصرف ضمن خط "البوصلة" فهو عروبي وسعودي ولبناني. وما إنْ نشبت الحرب في لبنان حتى ولج الشهيد ،رحمه الله، إطار العمل السياسي من بابه الواسع وبدعم سعودي مميز، تمكن به، على حداثة سنه، أن يلعب دوراً توفيقياً في محادثات الأطراف اللبنانيين المتقاتلين ، في لوزان وجنيف، ثم أخيراً في الطائف ليضع لمساته في اخراج أهم ميثاق وأقدره، ألزم الحربَ أن تضع أوزارها، حربَ الأطراف والآخرين التي قامت في الربع الأخير من القرن الماضي، ويتلاقى الناس مجدداً في اطار الطائف ليبدؤوا مسيرة العودة إلى أحضان الدولة ولتظهر المعالم الأولى لدولة الطائف تلك الدولة التي ما زلنا ننشدها باعتبارها الضمان الأكيد لصيغة العيش المشترك في حالة لبنانية بالغة التعقيد... ويمكن القول بكثير من الجدية ان ما نعيشه اليوم وما عشناه بالأمس القريب ومنذ ولاية اميل لحود والأخطار الفادحة التي ارتكبتها أجهزته بدءاً بتغيير قواعد اللعبة في اختيار رئيس الحكومة ضمن استشارات ملزمة ، وهو ما رفضه الرئيس الشهيد، حفاظاً على الطائف، وكمحاولة لمنع اللعب به لكن أين يبقى عمله التطبيعي من إرادة تفشيل الطائف؟ ورئاسة اميل لحود الأصلية والممددة جعلت الطائف، ستراً ممزقاً لا يغطي عورات النظام أو الدولة .. فالطائف ضاع في أكثره، ولم يبقَ منه إلا ملامح لا تسمن ولا تغني من جوع. وما نعيشه اليوم من اختلاط رهيب في انتخاب رئيس للبلاد خير شاهد على طمس الدستور والطائف وعدم النزول على أحكامه وتقاليده. 2 ـ من هنا فالمناداة بتطبيق الطائف كاملا غير منقوص هي احدى مؤشرات إزاحة المرحوم الشهيد من ساحة الحياة ظنا من "المجرمين" انه بموته يموت الطائف ويموت لبنان الذي بات من المحتمل، لا سمح الله أن يعود مجددا إلى حياة العنف والاقتتال والحرب الأهلية المدمرة، ولمنع تلك الحروب المتمولة أو للحيلولة دونها، قد تفرض ما ألمح اليه البطريرك صفير من تدويل الأزمة اللبنانية وهي في ظن البعض أنها شر لا بد منه لإدخال لبنان في بوتقة التعافي والشفاء... لكن دواء التدويل لن يفيد بلداً كلبنان وانما يزيده شرذمة وعودة إلى الوراء. بينما الحل يكمن في العودة إلى ميثاق الطائف نصاً وروحاً إلى أن تتمكن البلاد من اجتياز مرحلة الانقسام الحاد ثم قد يتبين التباس ما في الطائف وهو التباس لا يُكتشف إلا بعد التطبيق الحسن والكامل. * * *
3 ـ من العودة الى شخصية الرئيس الشهيد ، رحمه الله، يتبين أنه رجل تميز عن معظم السياسيين برغبته الصادقة في بناء الدولة الحديثة دولة المؤسسات والاطلالة الحضارية عبر مشاريع تنموية من المطار إلى الطرقات والاوتوسترادات والجامعة اللبنانية وتعليمه الالاف من اللبنانيين في شتى مدارك الدنيا ومعارفها، وحرصاً شديداً على مبدأ الانماء المتوازن ما استطاع الى ذلك سبيلا.
|