...
...
...
...
...

الحرف والضوء

09/02/2013
 
من كلمة الدكتور محمد علي ضناوي رئيس بيت الزكاة الخيرات يوم السبت 9/2/2013 التي نشرت في حفل تكريم إعلاميين جدد انتسبوا لنقابة المحررين اللبنانية.
 هي المرة الأولى على ما أذكرُ، ينتسبُ محرِّرُون من بلدي وبهذا العدد والنوع إلى نقابة المحررين في لبنان. اغتبطنا لذلك وسُرِرْنا لهم، بكونهم باكورة مباركة تفتح الباب وسيعاً لمحرِّرين شباب، يتخرجون من كليات الإعلام. وقد تخرّج أصحابنا المكرمون أو أكثرهم من جامعة الحياة، وأكرِمْ بها من جامعة. ومنهم من لم ينتسب إلى نقابة المحررين، مع أنه عَلَمٌ في الصحافة والتحرير، عنيت به الأخ الأستاذ عبد القادر الأسمر. الإعلاميون المحرِّرُون في الأصل رسُلُ الكلمةِ الطيبة وحَمَلَتُها للناس، يختفون وراء الحقيقة لإظهارها وإيصالها للقراء، وللإعلان عنها والإعلام بها. وبذلك يكونون صمّامَ الأمان في المجتمع والدولة والأمة، إذ بإمكانهم تعمية الحقيقة، وتحريف الخبر، وإيقاع الناس في الحيرة والارتباك. وبإمكانهم أيضاً رفض التعمية والإصرار على التوضيح العالي، والإيضاح الشامل، كل ذلك يخضع لقناعاتهم ورؤيتهم الذاتية للأوضاع، ومواطن الاتفاق أو الاختلاف مع صاحب المطبوعة أو رئيس تحريرها أو مخططها أو أهدافها وغاياتها، وهذا كله يمكن فهمه، لكن ما لا يمكن قبوله هو قلب الحقائق، واستخدام الحروف، لا للتعمية فقط، بل للتحريف، وهنا تقع المسؤولية الوطنية والدينية بأشد ما تكون. فالمحرر إذاً على ثلاثة أصناف:محرر ٌيكتب الكلمة الطيبة، يحررها بروحه فيعرّيها من الباطل والزيف والافتراء، ومَثَلُهُ كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.ومحررٌ يحرر الكلمة من الحق،ويكتبها بريشة الباطل ومداد الكذب، مدركاً أنّه عنصر نشط في المؤامرة وحلقة من حلقاتها، ويصدق فيه قول الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ).ومحررٌ يكتب ليرتزق، فهو يحرر ما يُملى عليه بُكرة وأصيلا، وبهذا يرضي "سيده" مؤقتاً، ويُغضب التاريخ والحقيقة وضميره وربه زمناً، مذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وأمثاله بيّنهم تعالى في قوله: (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء). ولا أحسبُ محررينا المكرمين اليوم إلا من محرري الكلمة الطيبة بإذن الله.إننا،أيها الإخوة، نمرُّ في أخطر الأيام والأزمان، ونحن والأمة محتاجون إلى فرسان الكلمة، يأخذون بأيدي الناس إلى الحق والحرية والعدالة، وإلى الوطنية الرائدة، فكراً وخُلُقاً وممارسةً، وإلى التعاون الوثيق لإحباط المؤامرات وما أكثرها، خاصة في الأوقات الصعبة التي تحيط بنا في دنيا العرب الفسيحة. إنّ التوعية الرشيدة هي السبيل الأوحد لإراحة الضمير المهني والوطني والإنساني والديني...لقد اخترتم ،أيها الإخوة، مهنة المخاطر والمتاعب، وما يدفع عنكم إلا لسان ينطق بالحق، وقلم يكتب الواقعَ بالحرف والضوء، كما هو لا زيادة ولا نقصان، ونحن اليوم نشاهد كيف أن بعض الذين لا يخافون الله يقلبون الحقائق، ويُجْبِرُون الحروفَ على الالتواء، ويُلزمون القلمَ والكاميرا معاً أن يصوِّرا الأمور على غير مظانها وعلى خلاف الحقيقة، تساعدهم في ذلك تقنيات حديثة تجعل الأسود أبيض، وتجتزئ الحدث وتراكب العقل وتمزج الحق والباطل. كل ذلك بهدف توهين عزيمة الأمة والإيقاع بمكنوناتها تسعيراً للحساسيات وإدخالاً للبلاد والعباد في آتون الخلاف وحافة الهاوية، وصولاً إلى الاقتتال البغيض الحرام، وما عرسال منا ببعيدة، وكلَّ يوم نستيقظ على فضائح جديدة وسر مقلوب وواقع مشبوه ومستقبل مكدود  في ظل هذا كله يتميز المحررون الأطهار عن أولئك الأشرار، وليس التميز نطلب فحسب، بل ننتظر منهم أن يكونوا أيضاً بالمرصاد؛  وكم نود أن يُنشئ أهل الصحافة في طرابلس والشمال مع المحررين مكتباً للتنسيق فيما بينهم، ليكونوا معاً مرآة الوطن، من طرابلس مدينة العلم والعلماء والصحافة.
Top

اشتراك بالقائمة البريدية

البريد الالكتروني*:
الاسم*:

اتصل بنا


  عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.