...
...
...
...
...

الحمد لله... في أمتي عقلاء

03/03/2012

 

مر مجتمعنا المسلم في لبنان بأيام عصيبة، بسبب تعاظم الوضع بين المفردات الأكبر في هيكلية دار الفتوى التنظيمية، ودخولها إلى دائرة الخطر والتفجر الشديدين!!!

 

ليس في حياة دار الفتوى والمجلس الشرعي الأعلى، من سابقة إعلان الخلاف إلى مثل هذه الدرجة من التقابل والتدافع والترافع، وأن يعمد (رأس الطائفة) إلى إصدار قرار لإجراء انتخاب المجلس الشرعي خلال شهرين، في حين أنّه وافق على تمديد ولاية المجلس إلى نهاية السنة 2012، لاستكمال دراسة وإقرار الإصلاحات المختلفة. ومن أبرزها الهيئة الناخبة، وصلاحيات المرجعية بمفتيها الأكبر ومجلسها الشرعي الأعلى، وقد باتت مطلب أكثر من جهة، بل هي مطلب شعبي على امتداد الوجود المسلم في لبنان.

إنّ من المشاكل الكبرى في المرجعية الدينية الإسلامية أنها ارتبطت بشخص المفتي "الأكبر" فإن كان موهوباً وقادراً ومتمكناً من لعب دور قيادي وتوجيه السياسة و "السياسيين"انعكس قوة على دار الفتوى والعكس صحيح. وهو أمر لا يجوز استمراره، في وقت بات العمل الجماعي مؤسسياً على مختلف الصعد. وللمؤسسة قواعدها وأصولها إدارياً ومالياً كمالها خطط عمل واستراتيجيات.

*        *        *

بوجه عام، ينبغي للإصلاح أن يتم بناء على دراسات دقيقة، انطلاقا من النهج المؤسسي، ودون إغفال مميزات المرجعية العليا الدينية للمسلمين السنة في لبنان، وانطلاقاً من تاريخ الدار ووجوب اعتبارها فوق السياسة ومع "السياسيين" وسائر قادة البلاد توجههم وتتشاور معهم، على أن لا تكون أبداً طرفاً إلا مع الاستراتيجية الإسلامية العليا في البلد.

ومن أجل هذا المعنى الدقيق، حرص "المشرع الإسلامي" على منح رؤساء الحكومات اللبنانية الحالي والسابقين صفة أعضاء طبيعيين في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى. من هنا كان للمجلس مسؤوليات مهمة في رسم السياسة العامة للمجتمع المسلم، وإداراته الدينية والوقفية، وفي دراسة مقومات التواجد الإسلامي وتطورها على الصعد المختلفة وتأمين حاجاتها.

اليوم، بعد ما جرى ما جرى، أثبت الأعضاء "الطبيعيون" في المجلس الشرعي، رؤساء الحكومات، بعد "تجاوب" مفتي الجمهورية، ورجوعه عن قراره المتعجل، بأمل إنجاز ملف الإصلاحات والاتفاق عليها خلال شهرين قادمين، أثبتوا مع سماحته أنّ العقل لا يزال، والحمد لله يتحكم في مفاصل الخطر العظيم. وهي ميزة مهمة ونعمة كبرى، إذ إن "عقلاء" الأمة" يتمكنون في اللحظة الأخيرة من نزع فتيل "الانفجار الكبير"!!

فقد أطلق الرئيس نجيب ميقاتي مبادرته الحكيمة، بعد كتاب مفتوح من رئيس تحرير جريدة اللواء صلاح سلام إلى مفتي الجمهورية، ناشده فيه أنْ لا يصر على الخطأ الفادح في الدعوة لانتخاب المجلس الشرعي، وأيضاً بعد حركة اعتراضية من أكثرية أعضاء المجلس الشرعي بقيادة نائب رئيسه الأستاذ عمر مسقاوي.

*        *        *

لكن ونحن نرحب بالاتفاق "السياسي" الذي أوجده الخوف على المرجعية الدينية، والخشية من ضياعها في متاهات صعبة، المسلمون السنة في غنى عنها، بخاصة في هذه الأيام ، وفي كل الأيام أيضاً، نشير إلى التجاوز المتكرر للمرسوم 18 ، حتى غدا هذا التجاوز أحد مرتكزات المرجعية الحالية. فجرى مثلاً التمديد للمجلس الشرعي لعدة سنوات، بعد نهاية مدته الشرعية الأخيرة، رغم رفض عدد كبير من أعضائه ذلك التمديد، ثم امتنعوا عن الحضور والمشاركة بعد أن تم اعتباره نافذاً، علاوة على تعطيل انتخاب المفتين في المناطق باستثناء طرابلس مؤخراً، كما انتخاب مجالس الأوقاف، والإقدام على تعيين المفتين والمجالس واللجان الوقفية خلافاً لنص المرسوم 18 وروحه، علماً أنّ القرارات تحمل استنادها إليه "وبناء عليه"، ولا نرى بعد ذلك لزوماً لذكر عقود (مالية وتجارية وإنمائية) وإجراءات أخرى امتلأت بشبهات، وشكلت عبْءاً على المرجعية وعلى المجتمع المسلم بالكامل.

تلك ملامح فيها غُصص، ما كان لسماحة المفتي الذي نحترم ونقدر، أن يوقعوه في مثلها. وقد شكلت تلك السوابق نموذجا غير موفق، وكرست انتقائية في تطبيق الأنظمة والقرارات، كنا نتمنى أن لا تشكل إحدى سمات هذا العهد. ومنها تمكن من يدعي"الغيرة" على "الطائفة" ومصداقيتها وأموالها وقيمها من النفاذ منها، تشهيراً بالمرجعية ومعها شُهِّر بالديني والسياسي بآن معاً، ليسقط المجتمع المسلم بها وبما قبلها وما بعدها، في عذابات وشجون يرى من خلالها صورة الواقع البائس، بيد أن نوراً لمع في الصورة أخيراً، فرأى فيه متفائلون بصيصَ أمل، وراحوا يتساءلون هل تم فعلا استيعاب المرحلة!! .

*        *        *

إننا إذ نرجو طي الصفحة مؤقتاً، ندعو الدار والمجلس الشرعي وسائر مكونات المرجعية، و"عقلاء" المجتمع المسلم إلى دخول علمي وعملي، في مناقشات سليمة وعميقة للإصلاحات العتيدة، مع قراءة بصيرة لخارطة طريق سوية، استعداداً للخروج من المأزق فلا تقع الدار فيه ثانية، ولا نقع نحن فيه أيضاً، ولنصحوَ جميعاً إلى مستقبل واعد، له ضوابطه وقواعده، فلا "يتجاوز" أحدٌ أحداً، ويلتزم الجميع النظام وقرارات المجلس الشرعي، على أن يبقى للمرجعية تألقها عبر مؤسسة متكاملة الأركان، وليس عبر شخص فرد. ويدُ الله مع الجماعة، ومصلحة المجتمع المسلم، "السني" في لبنان فوق كل اعتبار. وتلك المصلحة يراها علماء وقادة ورجالات المجتمع المسلم وهم أهل الحل والعقد، وهم أيضاً يشكلون الهيئة العامة الانتخابية الموسعة والقادرة والمقتدرة لتكون شريكاً واعياً في تصويب المسيرة.

 بقلم الدكتور محمد علي ضناوي

 

Top

اشتراك بالقائمة البريدية

البريد الالكتروني*:
الاسم*:

اتصل بنا


  عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.